من أكثر الأسئلة الدارجة من قبل الناس حول سبب التكلفة العالية للأعمال المصورة كالمسلسلات والأفلام السينمائية والإعلانات التجارية، وفي حقيقة الأمر لا توجد إجابة نموذجية التي نستطيع أن نطبقها على جميع الأعمال، ولكن أستطيع إيضاح بعض الأسباب التي قد تجعل سبب التكلفة العالية أمرا مفهوما نسبيا لدى المشاهدين أو العملاء خصوصا عندما نأتي إلى مجال الإعلانات التجارية.
إن المعلومات التي سوف أشاركها في هذا المقال هي مبنية على تجربتي الخاصة في مجال الإعلانات التجارية والأفلام السينمائية القصيرة، مع العلم إن هذه الأسباب قد نستطيع تطبيقها على الأعمال المصورة الأخرى كالمسلسلات التلفزيونية أو الأفلام الروائية الطويلة. والآن سوف نأخذكم في رحلة حول التساؤلات الكثيرة التي نسمعها من قبل الناس والعملاء وسوف نقوم بإيضاحها لعل هذا الإيضاح يكون كفيلا لمعرفة سبب التكلفة العالية.
هي دقيقة فقط !
إن من أكثر التعليقات الشائعة التي نسمعها في مجال الإعلانات هي جملة " العمل دقيقة فقط فلماذا هذه التكلفة العالية"، في حقيقة الأمر الدقيقة هي الناتج النهائي للعمل ولكن قد أحتاج العمل مني أياما وأسابيع وقد تصل إلى شهور عديدة حتى نصل لهذا الناتج وهو الدقيقة، فقد أحتاج فريق التصوير السفر إلى الخارج لتصوير مشاهد معينة، وقد أحتاج فريق إعداد الفكرة إلى أسبوعين من التحضير والترتيب والبحث والتنسيق، وقد أحتاج فريق المونتاج إلى أسبوع وقد أحتاج فريق الموسيقى إلى أسبوعين أخرين لابتكار موسيقى خاصة للإعلان، فالناتج النهائى لهذا العمل الجبار هو دقيقة ولكنه ليس مدة العمل التي اقتضت منا. وهنا أود أن آخذكم في رحلة حول مراحل تنفيذ أو إنتاج العمل المصور وخصوصا الإعلان التجاري. في أي عمل هنالك ثلاث مراحل وهي مرحلة ما قبل الإنتاج ومرحلة الإنتاج ومرحلة ما بعد الإنتاج. مرحلة ما قبل الإنتاج التي يأتي فيها العميل لأي من الشركات الخاصة لعمل أفكار للإعلانات وبعد أن يقوم العميل بطلب نوع الإعلان والهدف المراد من خلف هذا الإعلان يقوم فريق العمل الخاص في شركات الإعلانات بالتفكير والدخول في جلسات للعصف الذهني مع البحث المتواصل ومشاهدة كل الأعمال التي تتعلق بنفس الموضع الخاص الذي قد طلبه العميل، ولنقل في هذا المثال إن الإعلان المطلوب خاص للعيد الوطني وهو أحد المواضيع المتكررة في كل سنة وأكثر المواسم التي يتم فيه عمل إعلانات تجارية، لذلك نجد إنه من المواسم التي تعتبر صعبة والتحدي فيها عالي فالجميع يريد أن يعمل شيئا فريدا ومبتكرا وناجحا والكل يعمل ضمن نفس الموضوع لذلك توجد الكثير من عمليات البحث والكثير من الضغط النفسي الذي يجتاح العاملين في قطاع أبتكار أفكار الإعلانات. بعدما يتم الحصول على فكرة والموافقة عليها نأتي إلى مرحلة الإنتاج وهي التي تعتبر من أصعب المراحل في نظري نتيجة إن كل شيء معتمد على اليوم الذي يتم فيه تنفيذ الفكرة إلى صورة واقعية وشيء ملموس. وهنا تظهر التحديات بشكل جلي من جانب أداء الممثلين واداء طاقم العمل بتنفيذ المشاهد على أكمل وجه، قد نحتاج في هذه المرحلة السفر إلى الخارج لتصوير بعض المشاهد أو التنقل لعدة مواقع تصوير، قد تحتاج أن نستيقظ في الصباح الباكر أو السهر لوقت طويل متأخر على حسب العمل وشكل المشاهد المراد تصويرها، في هذه المرحلة يتم بذل مجهود جسدي ونفسي وفني أيضا. بعد التصوير نأتي إلى مرحلة ما بعد الإنتاج وهي المرحلة التي يتم فيها تركيب وتجميع المقاطع المصورة وإضافة الموسيقى التصويرية مع إضافة أي نوع من الجرافيكس وبعدها يتم تسليم المنتج النهائي وهو الإعلان.
هي فقط ضغطة زر
نأتي هنا إلى ثاني تعليق شائع وهو إن العملية التي نقوم بها هي عملية سهلة وبسيطة هي فقط ضغطة زر على الكاميرا فلماذا هذه الأجور المكلفة؟ ولكن في حقيقة الأمر إن العمل في صناعة الإعلانات التجارية أو أيا من الأعمال المصورة هو عمل شاق وليس ببسيط، وهذا يعود إلى عدة أسباب منها أنه لا توجد في الكويت مدرسة لصناعة الأفلام أو لتعليم تصوير الفيديو وبالتالي أغلب العاملين قد تعلموا بأنفسهم وصقلها مهاراتهم بجهدهم وبكثرة عملهم حتى توصلوا إلى هذه المهارة في تصوير مشاريع جميلة والتعامل مع أدوات إحترافية عالمية. وهذه الأدوات الاحترافية لايمكن أن نحكم على جودتها وتعقيدها بعدد الأزرار التي نحتاج أن نضغطها حتى تقوم بالتشغيل والتصوير. وإن المصور لايتم الحكم على فنه من خلال عدد الأزرار التي يضغطها بل من خلال ما يستطيع التقاطه من لوحات جميلة وطريقة ابتكاره للوحات فنية. ناهيك عن أن العمل في هذا المجال هو متعب جدا وذلك بسبب الضغط الهائل الناتج لمحدودية الوقت، فأغلب المنتجين يحاولون تقليص عدد أيام التصوير حتى يتم توفير مبالغ من التكلفة وبالتالي يضطر العاملين الفنيين إلى العمل ضمن وقت قصير ومحدود لإنتاج كل شي كما خططوا له وبشكل مثالي دون ترك أي فرصة لوقوع المشكلات أو العراقيل وهو أمرا ليس سهلا. فكل يوم يتم التأخر فيه تعني زيادة في التكلفة مما تسبب عبئا على جميع الأطراف وقد تعني خسائر مادية. لذلك يعيش طاقم العمل أحيانا تحت ضغط هائل بسبب هذا الأمر وهو أحد الأمور التي يجب أن نسترعي الانتباه لها فإن طاقم العمل بجانب خبرتهم التقنية والفنية إلا إنهم يوضعون في أوقات محددة لينجزوا ويصمموا صورا جميلا في وقت جدا قصير وعليهم أن يكونون على أكمل وجه من الدقة والحرفة.
لماذا كل هذا العدد لطاقم العمل؟
قد يستغرب الكثير من العملاء عندما نخبرهم عن أعداد طاقم العمل الذي قد نحتاجه لتنفيذ وتصوير أحد الإعلانات وقد واجهت هذا الأمر شخصيا في كل مرة مع شخص يقوم بتصوير إعلانا لأول مرة، ينبهر من العدد الهائل وحجم المعدات الكبيرة وما نقوم بفعله، وهذا لأنه عملنا في حقيقة الأمر ليس سهلا، فأحيانا قد تحتاج لتغيير المكان تماما من ناحية توزيع الديكورات حتى يتناسب شكليا حين تصوير اللقطة، وأحيانا نقوم بتوزيع الكثير من الإضاءات وهو أمرا قد لا يدركه الكثير لأنه ليس من اختصاصهم ولكن الكاميرا لا تعمل تماما كعين الإنسان فالإضاءات التي قد تراها بعينك بشكل عادي قد تراه الكاميرا بشكل مظلم وبالتالي تبدأ ترى كيف يتغير موقع التصوير أمامك قليلا والعمل يتسائل لماذا هذا كله فكل ما أريده شيء بسيط.
وهنا نأتي إلى مفترق طرق في الإجابة على هذا التساؤل، فيوجد العديد من المصورين الذين يمتلكون معدات بسيطة وأخف وقد يعملون لوحدهم أيضا لكن في رأي شخصي إن الأعمال التي تنجز من شخص واحد فقط هي أعمال ستكون محدود في طريقتها وذلك بسبب وجود معدات بسيطة وشخص واحد من دون مساعد من ما يجعل العمل ضمن نطاق محدود ولكنه قد ينتج إعلانا بسيطا رائعا لا خلاف عليه. ولكن هنالك أيضا الفريق الآخر الذي يعمل على إنتاج إعلانات على سبيل المثال جدا احترافية تتطلب معدات متخصصة وتتطلب طاقم عدد كبير لأن محتوى الإعلان يستوجب منا هذا العدد قد نريد بناء مدينة كاملة، قد نريب تركيب ٥٠ إضاءة وقد نريد الكثير من الأشياء ضمن وقت محدود وقصير ولذلك فإن الأمر يعود بالأول والأخير إلى المصور أو المخرج حول ماذا يريدون في النهاية.
في الختام وكما ختمتها في الفيديو الخاص لهذه المقالة، بأن أقل ما نستطيع أن نقدمه لهؤلاء الناس العاملين في هذا المجال هو الاحترام نظيرا لجهدهم الواضح وتفانيهم في التعلم ومواكبة كل ماهو جديدة ومحاولة أبتكار لطرق جديدة في فنون الإخراج والتصوير في مجال الإعلانات التجارية خصوصا.
コメント